حكم إعطاء زكاة المال لشخص واحد

حكم إعطاء زكاة المال كلها لشخص واحد

تعد الزكاة أحد أركان الإسلام التي أمر الله تعالى بها في كتابه الكريم، وهي فرض على كل مسلم بالغ عاقل، تمتلك القدرة المالية على إخراج الزكاة. الزكاة هي عبادة مالية تهدف إلى تطهير المال وتنميته، كما أنها وسيلة لتحقيق التكافل الاجتماعي، حيث يُنقل المال من الأثرياء إلى الفقراء والمحتاجين في المجتمع. ومع أن الزكاة واجب فردي، فإن لها آلية مخصصة لتوزيعها وضوابط عدة يجب الالتزام بها لضمان عدم التلاعب أو سوء الاستخدام.

في هذا المقال، سنتناول حكم إعطاء زكاة المال كلها لشخص واحد، ونستعرض الفقهاء في المسألة، بالإضافة إلى تفصيل بعض الأحكام المتعلقة بهذا الموضوع، استنادًا إلى النصوص الشرعية وآراء علماء الأمة الإسلامية. سنتطرق أيضًا إلى الحالات التي يجوز فيها إعطاء الزكاة لشخص واحد، والأسباب التي قد تبيح ذلك.

أولًا: مفهوم الزكاة

الزكاة في الإسلام هي مال يُخرَج من المال الذي يملكه المسلم، يُعطى للفقراء والمحتاجين، وذلك بعد تحقق مجموعة من الشروط التي تضمن وصول هذا المال إلى المستحقين. والزكاة ليست مجرد صدقة، بل هي عبادة يؤجر المسلم عليها، وهي وسيلة لتنقية النفس من البخل وحب المال، كما أن الزكاة تطهير للمال نفسه من الشبهات والتراكمات.

والزكاة واجبة على من بلغ مالُه النصاب، أي الحد الأدنى من المال الذي يوجب عليه إخراج الزكاة. يتعين على المسلم إخراج الزكاة سنويًا بنسبة 2.5% من المال الذي يمتلكه بعد مرور الحول (عام هجري كامل).

ثانيًا: توزيع الزكاة حسب الشريعة الإسلامية

توزيع الزكاة هو أحد المواضيع التي قد تختلف فيها الآراء الفقهية بناءً على النصوص الشرعية وآراء العلماء. الله تعالى بيّن في كتابه الكريم من هم مستحقو الزكاة، في قوله: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة: 60). وقد بيّن العلماء أن الزكاة يجب أن توزع على مستحقين محددين وفقًا لما ذكر في الآية الكريمة.

لكن في بعض الحالات، قد يُعطى المال كله لشخص واحد، حسب الحاجة والمصلحة الشرعية. قبل أن نتناول هذه الحالات، لا بد من التأكيد على أن الزكاة يجب أن تُوزع بقدر الإمكان بين المستحقين الذين ينطبق عليهم الشرط الشرعي.

ثالثًا: حكم إعطاء زكاة المال كلها لشخص واحد

إعطاء الزكاة كلها لشخص واحد هو أمر يثير تساؤلات عديدة بين المسلمين، وهو موضوع محل اجتهاد بين الفقهاء. فبعض العلماء يرون أن الزكاة لا يجوز أن تُعطى لشخص واحد، لأن توزيع الزكاة على عدة مستحقين يؤدي إلى تحقيق أفضل للمصلحة الشرعية، حيث تتعدد المصالح وتحقق العدالة الاجتماعية. بينما يرى آخرون أن إعطاء الزكاة لشخص واحد يجوز في حالات معينة، وسنتناول آراء العلماء حول ذلك.

1. القول بالجواز في بعض الحالات

الفقهاء الذين يجيزون إعطاء الزكاة لشخص واحد يرون أن ذلك جائز في حالات معينة، عندما يكون الشخص المعني هو الأكثر حاجة أو في ظروف استثنائية، مثل:

• إذا كان الشخص في حاجة شديدة: إذا كان الشخص الذي سيُعطى الزكاة في حاجة ملحة للغاية، بحيث يحتاج كامل المبلغ لسد حاجاته الضرورية (مثل دفع ديون كبيرة أو شراء علاج أو سداد رسوم تعليمية ضرورية له أو لأسرته).

• عند وجود شخص محتاج أكثر من غيره: في بعض الحالات، قد تكون حالة الشخص المعني بالزكاة أكثر صعوبة من غيره، مثل الأرامل أو الأيتام الذين لا يجدون من يعولهم، أو شخص فقير جدًا لا يمتلك ما يسد به رمقه. في هذه الحالات، قد يُفضل العلماء إعطاء الزكاة له.

• إذا كان الشخص هو الأحق بالزكاة: قد يراه البعض أن الزكاة إذا كانت تُعطى للشخص الأكثر استحقاقًا وفقًا للمعايير الشرعية مثل كونه فقيرًا أو غارمًا، فلا مانع من إعطائه المبلغ الكامل، وذلك على اعتبار أن حاجته تفوق حاجات الآخرين.

2. القول بعدم الجواز إلا في حالات استثنائية

رغم أن بعض العلماء يجيزون إعطاء الزكاة لشخص واحد في حالات معينة، إلا أن معظم الفقهاء يرون أن توزيع الزكاة على أكثر من شخص أفضل وأولى. حيث إن الهدف من الزكاة هو تحقيق التكافل الاجتماعي وتوزيع المال على أكبر عدد ممكن من المحتاجين، مما يساعد في تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ويشير هؤلاء الفقهاء إلى أن الزكاة هي فريضة اجتماعية لا تقتصر على فرد واحد، بل يجب أن تستفيد منها أكبر شريحة من المجتمع.

3. الحالات التي يمكن فيها إعطاء الزكاة لشخص واحد

بعض الحالات التي يمكن أن يُعطى فيها الزكاة لشخص واحد تشمل:

• عند وجود فرد في الأسرة في حاجة شديدة: إذا كان أحد أفراد الأسرة يحتاج إلى دعم مالي كامل (مثل الأب أو الأم أو الزوج أو الزوجة) لحل مشكلة مالية كبيرة، فيجوز إعطاؤه الزكاة كاملة.

• الديون المترتبة على شخص معين: إذا كان أحد الأشخاص مثقلًا بالديون ولا يستطيع سدادها، يمكن إعطاؤه الزكاة كاملة لسداد دينه، بشرط أن تكون الديون مرتبطة بحاجات أساسية.

رابعًا: فقهاء أهل العلم وآراؤهم في المسألة

من الفقهاء الذين تناولوا هذه المسألة بنظرة تفصيلية، نجد أن هناك تباينًا في الآراء:

• الإمام الشافعي: يرى الإمام الشافعي أن الزكاة يجب أن تُعطى لعدة أفراد لضمان توزيع الفائدة على أكبر عدد من الفقراء. لكن في حال وجود حاجة ملحة عند شخص واحد، يمكن إعطاؤه المبلغ الكامل بشرط أن تتوافر المصلحة الشرعية.

• الإمام مالك: يشترط الإمام مالك أن الزكاة يجب أن تكون موزعة بين فقراء المجتمع، إلا في الحالات الاستثنائية التي تتطلب إعطاء الزكاة بالكامل لشخص واحد.

• الإمام أحمد بن حنبل: يتبنى الإمام أحمد بن حنبل رأيًا مشابهًا لرأي الإمام الشافعي، حيث يجيز إعطاء الزكاة كاملة لشخص واحد إذا كانت الحاجة تستدعي ذلك، شريطة ألا تؤدي إلى التفريط في توزيع الزكاة على الآخرين.

• الإمام أبو حنيفة: من أبرز علماء مذهب الإمام أبو حنيفة الذين يرون أنه لا مانع من إعطاء الزكاة لشخص واحد إذا كانت حاجته شديدة، وخصوصًا في حالات الديون المستحقة أو الأزمات الطارئة.

خامسًا: الخلاصة

إن إعطاء زكاة المال كلها لشخص واحد ليس محرمًا بحد ذاته، ولكنه يُعتبر أمرًا استثنائيًا. يجوز في حالات معينة حيث تكون الحاجة شديدة ويستدعي الوضع المالي للشخص ذلك. إلا أنه في الغالب ينبغي على المسلم توزيع الزكاة على أكثر من شخص لضمان وصولها إلى أكبر عدد من المستحقين، وتحقيقًا للمصلحة العامة في المجتمع.